الفهرس الالي لمكتبة كلية العلوم الاجتماعية
Détail de l'éditeur
بيروت:رياض الريس للكتب والنشر |
Documents disponibles chez cet éditeur
Affiner la recherche Interroger des sources externes
العمارة الذكورية / لعيبي،شاكر
Titre : العمارة الذكورية : فن البناء و المعاير الاجتماعية و الاخلاقية في العالم العربي Type de document : texte imprimé Auteurs : لعيبي،شاكر, Auteur Mention d'édition : ط1 Editeur : بيروت:رياض الريس للكتب والنشر Année de publication : 2007م Importance : ص 209 Format : 24*17سم ISBN/ISSN/EAN : 97889953212456 Langues : Français (fre) Mots-clés : المعاير الاجتماعية العمران فن العمارة الجندر التصاميم المعمارية الحديثة Index. décimale : 720-فن البناء و العمارة Résumé :
كتاب لشاكر لعيبي عن فن البناء ومعاييره الاجتماعية * العمارة الذكورية حجاب من الحجر * عزت القمحاوي
* العمارة تنازلت عن البيت المستقل استجابة للضرورات الاقتصادية وتمسكت بأيديولوجيا إخفاء الأنثى
* خلف ظلام المشربية تبقى الأنثى أسيرة حب بائس من طرف واحد
على الرغم من كثرة الدراسات حول العمارة الإسلامية ، فإن معظمها يتراوح بين دراسة الجماليات والدراسة الوصفية والتاريخية. وفي جل هذه الدراسات نلمس نوعاً من الأيقنة والتقديس لأنماط البناء التراثية ، حيث لا تتم مساءلة هذه العمارة ، من حيث محتواها الأيديولوجي أو ملاءمتها لطبيعة العصر ، على الرغم من أن العمارة تنفرد بين الفنون بالجانب الوظيفي ، وهو بالمناسبة الأسبق في الوجود على الجانب الجمالي: ففي البدء كانت وظيفة الإيواء أول وظائف البناء. وهذا الواقع لم يتغير حتى اليوم: إذ تكتفي المستويات الاقتصادية الدنيا من المسكن بوظيفة الإيواء التي تعطي الأحياء العشوائية على خاصرات المدن العربية ذلك المظهر الخشن المتكرر بباطونه العاري ، وعدم التناسق بين بناياته المتجاورة.
لا يبدأ الهاجس الجمالي في العمارة إلا عند مستوى اجتماعي يسمح بهذه الرفاهية ، بل إن جمال العمارة يصبح مطلوباً كوسيلة إشهار للغنى ، حيث يرتفع المبنى من مستوى الضرورة إلى مستوى العلامة الاجتماعية. وتبدأ العمارة في التشبه بسكانها ، وتشرع في الترجمة عنهم.
ومن هذا المنطلق تأتي أهمية كتاب شاكر لعيبي "العمارة الذكورية .. فن البناء والمعايير الاجتماعية والأخلاقية في العالم العربي" فهو أكبر مساءلة أيديولوجية للعمارة الإسلامية العربية ، حتى لو اختلفنا مع بعض تعميماته وفرضياته التي تركها من دون برهان.
ينطلق لعيبي في كتابه الصادر عن دار رياض الريس من فرضية تعتبر أن العمارة وجمالياتها تتكيف لطريقة استخدام الكائن الآدمي لمساحاتها وفراغاتها.
وأن ثمة جسدين شخصيين فاعلين في الفضاء المعماري: جسدا عضويا بارزا للعيان وجسدا اجتماعيا مستترا. والجسدان متداخلان ومعقدان ، التعقيد نفسه سنلحظه في عاملين يحددان عمل المعماري: الضرورات المناخية ، ومنظومة العلاقات الاجتماعية. ويلاحظ لعيبي أن هذه الأخيرة تطغى أحياناً وتفرض أوضاعاً تتعارض مع الطبيعة المناخية ، مثل التزام اللون الأسود الماص للحرارة أو حجابات النساء المنتشرة طوعاً أو كرها في مناخ يستوجب خفة معقولة في نسيج الثوب.
الحجاب يصنع أيضاً من الحجر والملاط. والأمثلة المعمارية قد لا تكون في بساطة ووضوح الثياب ، حيث تأخذ التعبيرات المعمارية أشكالا أكثر التواء للوصول إلى هدفها. ويعتبر أن القضية الأولى للعمارة التقليدية هي حجب المرأة. وهي بهذا تنفذ أيديولوجيا لا تحبذ حضور النساء الفيزيقي في المجال العام بصفتهن عورة.
والعمارة التقليدية تضع هذا الهدف نصب عينيها منذ الخطوة الأولى لإنشاء البيت ، ولن نصل إلى نهاية الكتاب حتى نطلع على شهادات معماريين حداثيين لنكتشف أن وظيفة العزل مستمرة في البناءات المعاصرة التي اختلفت في مفرداتها المعمارية عن البيت العربي التقليدي ، وأن المعماريين المعاصرين يتبارون في إيجاد تخريجات هندسية حداثية لهذا العزل بحيث يبدو عفوياً وغير مقصود للوهلة الأولى ،
وربما علينا أن نبحث عن القوة التي أجبرت العمارة على التمسك بأيديولوجيا الحجب ، على الرغم من تنازلها عن شروط البيت العربي المستقل ، واستبداله بالعمارات الضخمة التي تحتوي على عدد كبير من الشقق السكنية؟ من فرضية الحجب يسائل شاكر لعيبي العناصر المعمارية في البيت العربي الإسلامي ، ليرى إلى أي حد يؤدي هذا العنصر أو ذاك دوره في منظومة الحجب.
جغرافيا الأخلاق
ملقف الهواء أو البرج الذي يعلو سطح المبنى ، ملتحم الأطراف والجوانب ، ومن بين أعمدته يهب الهواء فيلقفه ، ويمرره إلى داخل الغرف تحته عبر فتحات أو قنوات عمودية ، حيث يرتفع الهواء الساخن للأعلى ومن خلال حركة الهواء يتم تبريد الغرف. وقد استخدم ملقف الهواء منذ العهد العباسي ، وكان مشهورا في الخليج والعراق ومصر التي يفترض أن ملاقف الهواء فيها تعود إلى العصر الفرعوني.
والفرضية التي يتناولها لعيبي حول ملاقف الهواء ، هي سعي هذا العنصر المعماري إلى الانسجام مع البداهات الاجتماعية والأخلاقية ، وليس مجرد الاستجابة للمناخ ، لأن دولاً إسلامية أخرى لم تعتمد هذه الوسيلة رغم المناخ الحار مثل السودان وتايلاند. الملاقف تتعهد بإيصال الهواء بالحيلة إلى كائنات منطوية على ذاتها في حجرات مغلقة بعيدا عن الفضاء الطليق الطبيعي ، أي أن الحيلة المعمارية تجري على الطرفين: على النساء لإقناعهن بالاكتفاء بالداخل ، وعلى الهواء لإقناعه بالوصول إليهن ،
لا يرى لعيبي أي انسياق تعسفي وراء الفكرة ، ويدلل على ذلك من خلال شهادة للمعماري عبدالله بن عبد المحسن عن فتحات التهوية والنوافذ في السعودية.
الفناء .. نفي الغريب
الحوش ، الفناء ، الصحن ثلاثة أسماء للباحة التي تتوسط البيت العربي محاطة بغرف تصلح للضيوف في الأسفل ، بينما يخصص الطابق العلوي لسكن الأسرة. مناخياً يهدف الحوش الداخلي إلى الحفاظ على درجة حرارة واطئة ، أما الإقامة في الجزء العلوي فتسعى للحفاظ على السكان في وضع المراقب والبعيد عن العيون.
الحوش هو المكان الذي يحقق وظيفة عزل الأسرة عن حركة المجتمع ، تلك الوظيفة التي يستعين الرجال عليها باحتياطات أخرى تتمثل في المداخل المنكسرة بحيث لا يمكن رؤية من هم بالداخل عبر الباب المفتوح.
ويفترض لعيبي أن مصر الفرعونية كانت تحتفظ للمرأة بدور مماثل لدورها الراهن. ويقرر أن مصر عرفت هذا النوع من المداخل في القرن السادس عشر قبل الميلاد ، كما ظهرت في بعض المدن الرومانية لأسباب مختلفة ، وعاودت الظهور في العصر العباسي لأغراض اجتماعية بحتة ، وصارت المداخل المنكسرة سمة للمنزل البغدادي في العهد العثماني.
وبين ترك نشأة المدخل الفرعوني من دون أسباب وبين "الأسباب المختلفة" التي لم يحددها المؤلف لظهور المداخل الرومانية المنكسرة تبدو فرضيته عن دور المرأة الفرعوني أو الروماني مجرد فرضية تحتاج إلى الإثبات ، بل إن الشواهد من مصر الفرعونية قد تكون ضد فرضيته تماماً ، أولاً لأن ما تركه الفراعنة من أدوار المرأة الملكة (مثل حتشبسوت) وشريكة الملك (نفرتيتي) وما تركته من أشعار الحب الحسي تتعارض مع هذه الفرضية.
وثانياً فإن الشواهد الفرعونية على المداخل قائمة في المعابد وليس في المساكن الدنيوية ، وكان من عادة الفراعنة بناء المساكن الدنيوية من الطوب اللبن ومن الطبيعي ألا يبقى سوى القليل منها ، بينما بقيت المداخل المنكسرة أو المستقيمة لكن الطويلة لدور العبادة وقد استلهمها المماليك في مساجد مثل "قلاوون" و"السلطان حسن" وهي تؤهل المتعبد للانفصال شيئاً فشيئاً عن الدنيا.
ويمكننا أن نفترض أهدافاً أمنية للمداخل المنكسرة ، ربما قبل هدف حجب النساء ، إذ تجعل هذه المداخل من الصعب اقتحام المنزل سواء من اللصوص أو المناوئين السياسيين إذا ما اتفقنا أن البيوت التي تمتلك رفاهية المداخل والأحواش هي بيوت الطبقة العليا من السياسيين والتجار.
وبالمثل يمكننا أن نفكر في الهواجس الأمنية جنباً إلى جنب مع هواجس عزل ومراقبة المرأة عندما نفكر بوظيفة خوخة الباب ، أي الباب الصغير داخل البوابة الكبيرة ، إذ يفرد لعيبي فصلاً خاصاً بالأبواب. كذلك فإن الشبابيك الصغيرة المرتفعة على الجدران قد تتوفر على الوظيفة المزدوجة نفسها: الأمن والحجب.
وإذا كان لعيبي قد اتخذ هذه الخطوة المضادة لنزوع التصنيم والتقديس للعمارة الإسلامية ، فإن أيديولوجييا هذه العمارة تحتاج إلى دراسات أخرى تهتم بزوايا جديدة ، مسها لعيبي مساً ، مثل فكرة "الاستقلالية" التي يتحدث بها المعماريون والتي تعبر عن الاكتفاء الذاتي للبيت وسعيه إلى أن يكون مجتمعاً مصغراً منغلقاً على نفسه ويمتلك أقل العلائق مع المجتمع الكبير. ويمكننا أن نقرأ هذه الاستقلالية كأحد معوقات الحالة المدينية الحديثة ، مثلما يمكننا أن نرى في الحوش عدواناً ليس على استقلال المرأة فقط ، بل على استقلال وخصوصية الفرد ، ذكراً كان أو أنثى.
الآخر.. لايوجد
إذا كان سارتر يرى في الآخر الجحيم ، فإن الكثير من مفردات العمارة الإسلامية تتفق مع هذه المقولة ، فتراه جحيماً وبعضها لا يراه أساساً ، لكنه ليس صديقاً على أية حال.
يلاحظ لعيبي أن العمارة العربية الإسلامية (الجديدة) تقيم حيطاناً عالية حول (فللها) الباذخة لكي يكتمل انغلاق الفضاء على نفسه. ولا تقوم هذه الحيطان بدور جمالي ، إنما تخفي عن عيون المارة جمال التصميم من بين ما تخفي. و يمكننا أن نقرأ هذه الأسوار في ضوء رؤية (الآخر الجحيم) مثلما نقرأها في ضوء (الآخر المهمل) وكأنه غير موجود ، ولا يستحق أن يلتفت إلى متعته عند المرور بالبيت ، الذي تتباين فخامته مع رثاثة الأسوار الجرداء أو المدعمة بالنباتات الشوكية.
وبالتأكيد فإن هاجس إخفاء المرأة ، قد لا يكون الهم الأول لهذه الأسوار (في القاهرة مثلاً ترتفع مثل هذه الأسوار على قصور الطبقات الجديدة متفرنجة السلوك والملبس). الهاجس الأول للأسوار أمني ، وبعد ذلك تأتي أهداف الاستقلالية أو التخفي من العين الحاسدة ، أو حجب النساء.
المشربية.. متعة التلصص
في مقابل السور المسمط المانع لعين الخارج تقف الشرفة الخشبية على الجدار "المشربية" وهي نافذة تسمح بمرور النظر من طرف واحد ، حيث توفر متعة التلصص من الداخل إلى الخارج. وقد شهد عصر المماليك ازدهار صناعة المشربيات المصنوعة من الخشب المخروط المعشق. وقد برعت في صناعته القاهرة ودمشق وحلب.
التأويل الأيديولوجي الذي ينطوي عليه ظلام المشربية فيما يرى لعيبي هو الإبقاء على الكائن الأنثوي سجين حلمه وتأملاته ، وحبه اليائس للعالم من طرف واحد. لكن لكل مسعى مفارقاته ، ومفارقات المشربية أن اقترابها في الأعلى بين البيوت المتقابلة قد يؤدي إلى أكبر احتكاك ممكن فيما يتعلق بالحياة الحميمة بين الرجال والنساء،
ذكورة وأنوثة متمرجلة
العمارة العربية إذن مصممة من أجل حرية الرجل وحده ، فالمعماري يضع في حسبانه تسهيل مهمة مراقبة الرجل للمرأة. وبينما يضع الرجل المعايير المقبولة من وجهة نظره لمسكن أسرته ، يرصد لعيبي عمارة الأماكن الذكورية البحتة ، المتمثلة في الديوانيات والمقاهي في فصل شيق يجمع فيه بين المراجع التاريخية وبين المشاهدات العيانية للمؤلف في أكثر من بلد عربي ، ويسجل تململات النساء التي ظهرت في شكل ديوانيات نسائية ، صارت مجالاً خاصاً للمرأة تمارس فيه فعاليتها السياسية والثقافية ، وربما مكاناً لعشق ذات النوع،
كما يرصد تململات من نوع آخر على هذا الفصل بين الجنسين ، فهناك من يود تحطيم هذه الثنائية نحو فضاء مختلط ، ويستشهد بديوانية الدكتورة رشا الصباح ، التي افتتحتها عام 1990 ، كما يشير إلى صالونات الأدب الشهيرة بمصر ولبنان التي أقامتها أديبات شهيرات في بدايات القرن العشرين.
ومن بين المقاهي الشهيرة في العالم العربي يذكر لعيبي الفيشاوي في مصر والروضة في الشام ، بروادهما من الرجال. ويشير إلى انقلاب المقهى على نفسه ، حيث صار المقهى مكاناً للقاء بين الشباب والفتيات ، وأصبح التدخين المشترك للشيشة (النارجيلة) أحد أهم مظاهر التحرر في الأجيال الجديدة ، ولكن في مستوى معين من المقاهي الجيدة (الكافيهات) وليس في المقاهي الشعبية.
وهذا التغيير يؤكد أن أيديولوجيا العمارة ليست أبدية ، بل تتغير ، وتستجيب لزحف القيم الجديدة أو لشروط الضرورة التي أوجدت العمارات العالية ، وأصبح من المتعذر استقلال النساء بمدخل خاص بعيداً عن مدخل رجال الأسرة ، بل صرن مضطرات للدخول من ذات المداخل واستخدام المصاعد التي يستخدمها الرجال الغرباء.
ولكن تمدد الزمن الذي حمل رياح الجديد ، وتقلص الجغرافيا الذي أوجد البنايات العالية لم يدفعا الذكورة إلى الاستسلام التام ، فلا يزال الرجال يتدخلون في عمل المعماري ، وينقل المؤلف شهادات مهمة للمعماريين حول تدخلات الذكور في تصميمات البيوت لتحقيق الحيطة الممكنة من العالم الخارجي ، وتقسيم المنزل جنسوياً بصرامة.
البيت .. فضاء الأنوثة
على أية حال كانت نتيجة تحديد إقامة الأنثى ، أن صار البيت فضاءها الحميم ، تتفاعل معه روحياً أكثر من الرجل ، ونحن نتحدث عن "ربة بيت" ونمتدح ذوقها في ترتيبه. وحتى عندما تخرج المرأة فإنها تتجول في الشارع بمنزل مصغر في حقيبة يدها: مرآة ، ومشط ومناديل وحمرة شفاه وعطر ، وما إلى ذلك ، بينما يتجول الرجل ببنطاله المكوي جيداً ، وعندما يعود إلى البيت ، يعود إلى مأوى هو بالأساس فضاء المرأة.العمارة الذكورية : فن البناء و المعاير الاجتماعية و الاخلاقية في العالم العربي [texte imprimé] / لعيبي،شاكر, Auteur . - ط1 . - [S.l.] : بيروت:رياض الريس للكتب والنشر, 2007م . - ص 209 ; 24*17سم.
ISSN : 97889953212456
Langues : Français (fre)
Mots-clés : المعاير الاجتماعية العمران فن العمارة الجندر التصاميم المعمارية الحديثة Index. décimale : 720-فن البناء و العمارة Résumé :
كتاب لشاكر لعيبي عن فن البناء ومعاييره الاجتماعية * العمارة الذكورية حجاب من الحجر * عزت القمحاوي
* العمارة تنازلت عن البيت المستقل استجابة للضرورات الاقتصادية وتمسكت بأيديولوجيا إخفاء الأنثى
* خلف ظلام المشربية تبقى الأنثى أسيرة حب بائس من طرف واحد
على الرغم من كثرة الدراسات حول العمارة الإسلامية ، فإن معظمها يتراوح بين دراسة الجماليات والدراسة الوصفية والتاريخية. وفي جل هذه الدراسات نلمس نوعاً من الأيقنة والتقديس لأنماط البناء التراثية ، حيث لا تتم مساءلة هذه العمارة ، من حيث محتواها الأيديولوجي أو ملاءمتها لطبيعة العصر ، على الرغم من أن العمارة تنفرد بين الفنون بالجانب الوظيفي ، وهو بالمناسبة الأسبق في الوجود على الجانب الجمالي: ففي البدء كانت وظيفة الإيواء أول وظائف البناء. وهذا الواقع لم يتغير حتى اليوم: إذ تكتفي المستويات الاقتصادية الدنيا من المسكن بوظيفة الإيواء التي تعطي الأحياء العشوائية على خاصرات المدن العربية ذلك المظهر الخشن المتكرر بباطونه العاري ، وعدم التناسق بين بناياته المتجاورة.
لا يبدأ الهاجس الجمالي في العمارة إلا عند مستوى اجتماعي يسمح بهذه الرفاهية ، بل إن جمال العمارة يصبح مطلوباً كوسيلة إشهار للغنى ، حيث يرتفع المبنى من مستوى الضرورة إلى مستوى العلامة الاجتماعية. وتبدأ العمارة في التشبه بسكانها ، وتشرع في الترجمة عنهم.
ومن هذا المنطلق تأتي أهمية كتاب شاكر لعيبي "العمارة الذكورية .. فن البناء والمعايير الاجتماعية والأخلاقية في العالم العربي" فهو أكبر مساءلة أيديولوجية للعمارة الإسلامية العربية ، حتى لو اختلفنا مع بعض تعميماته وفرضياته التي تركها من دون برهان.
ينطلق لعيبي في كتابه الصادر عن دار رياض الريس من فرضية تعتبر أن العمارة وجمالياتها تتكيف لطريقة استخدام الكائن الآدمي لمساحاتها وفراغاتها.
وأن ثمة جسدين شخصيين فاعلين في الفضاء المعماري: جسدا عضويا بارزا للعيان وجسدا اجتماعيا مستترا. والجسدان متداخلان ومعقدان ، التعقيد نفسه سنلحظه في عاملين يحددان عمل المعماري: الضرورات المناخية ، ومنظومة العلاقات الاجتماعية. ويلاحظ لعيبي أن هذه الأخيرة تطغى أحياناً وتفرض أوضاعاً تتعارض مع الطبيعة المناخية ، مثل التزام اللون الأسود الماص للحرارة أو حجابات النساء المنتشرة طوعاً أو كرها في مناخ يستوجب خفة معقولة في نسيج الثوب.
الحجاب يصنع أيضاً من الحجر والملاط. والأمثلة المعمارية قد لا تكون في بساطة ووضوح الثياب ، حيث تأخذ التعبيرات المعمارية أشكالا أكثر التواء للوصول إلى هدفها. ويعتبر أن القضية الأولى للعمارة التقليدية هي حجب المرأة. وهي بهذا تنفذ أيديولوجيا لا تحبذ حضور النساء الفيزيقي في المجال العام بصفتهن عورة.
والعمارة التقليدية تضع هذا الهدف نصب عينيها منذ الخطوة الأولى لإنشاء البيت ، ولن نصل إلى نهاية الكتاب حتى نطلع على شهادات معماريين حداثيين لنكتشف أن وظيفة العزل مستمرة في البناءات المعاصرة التي اختلفت في مفرداتها المعمارية عن البيت العربي التقليدي ، وأن المعماريين المعاصرين يتبارون في إيجاد تخريجات هندسية حداثية لهذا العزل بحيث يبدو عفوياً وغير مقصود للوهلة الأولى ،
وربما علينا أن نبحث عن القوة التي أجبرت العمارة على التمسك بأيديولوجيا الحجب ، على الرغم من تنازلها عن شروط البيت العربي المستقل ، واستبداله بالعمارات الضخمة التي تحتوي على عدد كبير من الشقق السكنية؟ من فرضية الحجب يسائل شاكر لعيبي العناصر المعمارية في البيت العربي الإسلامي ، ليرى إلى أي حد يؤدي هذا العنصر أو ذاك دوره في منظومة الحجب.
جغرافيا الأخلاق
ملقف الهواء أو البرج الذي يعلو سطح المبنى ، ملتحم الأطراف والجوانب ، ومن بين أعمدته يهب الهواء فيلقفه ، ويمرره إلى داخل الغرف تحته عبر فتحات أو قنوات عمودية ، حيث يرتفع الهواء الساخن للأعلى ومن خلال حركة الهواء يتم تبريد الغرف. وقد استخدم ملقف الهواء منذ العهد العباسي ، وكان مشهورا في الخليج والعراق ومصر التي يفترض أن ملاقف الهواء فيها تعود إلى العصر الفرعوني.
والفرضية التي يتناولها لعيبي حول ملاقف الهواء ، هي سعي هذا العنصر المعماري إلى الانسجام مع البداهات الاجتماعية والأخلاقية ، وليس مجرد الاستجابة للمناخ ، لأن دولاً إسلامية أخرى لم تعتمد هذه الوسيلة رغم المناخ الحار مثل السودان وتايلاند. الملاقف تتعهد بإيصال الهواء بالحيلة إلى كائنات منطوية على ذاتها في حجرات مغلقة بعيدا عن الفضاء الطليق الطبيعي ، أي أن الحيلة المعمارية تجري على الطرفين: على النساء لإقناعهن بالاكتفاء بالداخل ، وعلى الهواء لإقناعه بالوصول إليهن ،
لا يرى لعيبي أي انسياق تعسفي وراء الفكرة ، ويدلل على ذلك من خلال شهادة للمعماري عبدالله بن عبد المحسن عن فتحات التهوية والنوافذ في السعودية.
الفناء .. نفي الغريب
الحوش ، الفناء ، الصحن ثلاثة أسماء للباحة التي تتوسط البيت العربي محاطة بغرف تصلح للضيوف في الأسفل ، بينما يخصص الطابق العلوي لسكن الأسرة. مناخياً يهدف الحوش الداخلي إلى الحفاظ على درجة حرارة واطئة ، أما الإقامة في الجزء العلوي فتسعى للحفاظ على السكان في وضع المراقب والبعيد عن العيون.
الحوش هو المكان الذي يحقق وظيفة عزل الأسرة عن حركة المجتمع ، تلك الوظيفة التي يستعين الرجال عليها باحتياطات أخرى تتمثل في المداخل المنكسرة بحيث لا يمكن رؤية من هم بالداخل عبر الباب المفتوح.
ويفترض لعيبي أن مصر الفرعونية كانت تحتفظ للمرأة بدور مماثل لدورها الراهن. ويقرر أن مصر عرفت هذا النوع من المداخل في القرن السادس عشر قبل الميلاد ، كما ظهرت في بعض المدن الرومانية لأسباب مختلفة ، وعاودت الظهور في العصر العباسي لأغراض اجتماعية بحتة ، وصارت المداخل المنكسرة سمة للمنزل البغدادي في العهد العثماني.
وبين ترك نشأة المدخل الفرعوني من دون أسباب وبين "الأسباب المختلفة" التي لم يحددها المؤلف لظهور المداخل الرومانية المنكسرة تبدو فرضيته عن دور المرأة الفرعوني أو الروماني مجرد فرضية تحتاج إلى الإثبات ، بل إن الشواهد من مصر الفرعونية قد تكون ضد فرضيته تماماً ، أولاً لأن ما تركه الفراعنة من أدوار المرأة الملكة (مثل حتشبسوت) وشريكة الملك (نفرتيتي) وما تركته من أشعار الحب الحسي تتعارض مع هذه الفرضية.
وثانياً فإن الشواهد الفرعونية على المداخل قائمة في المعابد وليس في المساكن الدنيوية ، وكان من عادة الفراعنة بناء المساكن الدنيوية من الطوب اللبن ومن الطبيعي ألا يبقى سوى القليل منها ، بينما بقيت المداخل المنكسرة أو المستقيمة لكن الطويلة لدور العبادة وقد استلهمها المماليك في مساجد مثل "قلاوون" و"السلطان حسن" وهي تؤهل المتعبد للانفصال شيئاً فشيئاً عن الدنيا.
ويمكننا أن نفترض أهدافاً أمنية للمداخل المنكسرة ، ربما قبل هدف حجب النساء ، إذ تجعل هذه المداخل من الصعب اقتحام المنزل سواء من اللصوص أو المناوئين السياسيين إذا ما اتفقنا أن البيوت التي تمتلك رفاهية المداخل والأحواش هي بيوت الطبقة العليا من السياسيين والتجار.
وبالمثل يمكننا أن نفكر في الهواجس الأمنية جنباً إلى جنب مع هواجس عزل ومراقبة المرأة عندما نفكر بوظيفة خوخة الباب ، أي الباب الصغير داخل البوابة الكبيرة ، إذ يفرد لعيبي فصلاً خاصاً بالأبواب. كذلك فإن الشبابيك الصغيرة المرتفعة على الجدران قد تتوفر على الوظيفة المزدوجة نفسها: الأمن والحجب.
وإذا كان لعيبي قد اتخذ هذه الخطوة المضادة لنزوع التصنيم والتقديس للعمارة الإسلامية ، فإن أيديولوجييا هذه العمارة تحتاج إلى دراسات أخرى تهتم بزوايا جديدة ، مسها لعيبي مساً ، مثل فكرة "الاستقلالية" التي يتحدث بها المعماريون والتي تعبر عن الاكتفاء الذاتي للبيت وسعيه إلى أن يكون مجتمعاً مصغراً منغلقاً على نفسه ويمتلك أقل العلائق مع المجتمع الكبير. ويمكننا أن نقرأ هذه الاستقلالية كأحد معوقات الحالة المدينية الحديثة ، مثلما يمكننا أن نرى في الحوش عدواناً ليس على استقلال المرأة فقط ، بل على استقلال وخصوصية الفرد ، ذكراً كان أو أنثى.
الآخر.. لايوجد
إذا كان سارتر يرى في الآخر الجحيم ، فإن الكثير من مفردات العمارة الإسلامية تتفق مع هذه المقولة ، فتراه جحيماً وبعضها لا يراه أساساً ، لكنه ليس صديقاً على أية حال.
يلاحظ لعيبي أن العمارة العربية الإسلامية (الجديدة) تقيم حيطاناً عالية حول (فللها) الباذخة لكي يكتمل انغلاق الفضاء على نفسه. ولا تقوم هذه الحيطان بدور جمالي ، إنما تخفي عن عيون المارة جمال التصميم من بين ما تخفي. و يمكننا أن نقرأ هذه الأسوار في ضوء رؤية (الآخر الجحيم) مثلما نقرأها في ضوء (الآخر المهمل) وكأنه غير موجود ، ولا يستحق أن يلتفت إلى متعته عند المرور بالبيت ، الذي تتباين فخامته مع رثاثة الأسوار الجرداء أو المدعمة بالنباتات الشوكية.
وبالتأكيد فإن هاجس إخفاء المرأة ، قد لا يكون الهم الأول لهذه الأسوار (في القاهرة مثلاً ترتفع مثل هذه الأسوار على قصور الطبقات الجديدة متفرنجة السلوك والملبس). الهاجس الأول للأسوار أمني ، وبعد ذلك تأتي أهداف الاستقلالية أو التخفي من العين الحاسدة ، أو حجب النساء.
المشربية.. متعة التلصص
في مقابل السور المسمط المانع لعين الخارج تقف الشرفة الخشبية على الجدار "المشربية" وهي نافذة تسمح بمرور النظر من طرف واحد ، حيث توفر متعة التلصص من الداخل إلى الخارج. وقد شهد عصر المماليك ازدهار صناعة المشربيات المصنوعة من الخشب المخروط المعشق. وقد برعت في صناعته القاهرة ودمشق وحلب.
التأويل الأيديولوجي الذي ينطوي عليه ظلام المشربية فيما يرى لعيبي هو الإبقاء على الكائن الأنثوي سجين حلمه وتأملاته ، وحبه اليائس للعالم من طرف واحد. لكن لكل مسعى مفارقاته ، ومفارقات المشربية أن اقترابها في الأعلى بين البيوت المتقابلة قد يؤدي إلى أكبر احتكاك ممكن فيما يتعلق بالحياة الحميمة بين الرجال والنساء،
ذكورة وأنوثة متمرجلة
العمارة العربية إذن مصممة من أجل حرية الرجل وحده ، فالمعماري يضع في حسبانه تسهيل مهمة مراقبة الرجل للمرأة. وبينما يضع الرجل المعايير المقبولة من وجهة نظره لمسكن أسرته ، يرصد لعيبي عمارة الأماكن الذكورية البحتة ، المتمثلة في الديوانيات والمقاهي في فصل شيق يجمع فيه بين المراجع التاريخية وبين المشاهدات العيانية للمؤلف في أكثر من بلد عربي ، ويسجل تململات النساء التي ظهرت في شكل ديوانيات نسائية ، صارت مجالاً خاصاً للمرأة تمارس فيه فعاليتها السياسية والثقافية ، وربما مكاناً لعشق ذات النوع،
كما يرصد تململات من نوع آخر على هذا الفصل بين الجنسين ، فهناك من يود تحطيم هذه الثنائية نحو فضاء مختلط ، ويستشهد بديوانية الدكتورة رشا الصباح ، التي افتتحتها عام 1990 ، كما يشير إلى صالونات الأدب الشهيرة بمصر ولبنان التي أقامتها أديبات شهيرات في بدايات القرن العشرين.
ومن بين المقاهي الشهيرة في العالم العربي يذكر لعيبي الفيشاوي في مصر والروضة في الشام ، بروادهما من الرجال. ويشير إلى انقلاب المقهى على نفسه ، حيث صار المقهى مكاناً للقاء بين الشباب والفتيات ، وأصبح التدخين المشترك للشيشة (النارجيلة) أحد أهم مظاهر التحرر في الأجيال الجديدة ، ولكن في مستوى معين من المقاهي الجيدة (الكافيهات) وليس في المقاهي الشعبية.
وهذا التغيير يؤكد أن أيديولوجيا العمارة ليست أبدية ، بل تتغير ، وتستجيب لزحف القيم الجديدة أو لشروط الضرورة التي أوجدت العمارات العالية ، وأصبح من المتعذر استقلال النساء بمدخل خاص بعيداً عن مدخل رجال الأسرة ، بل صرن مضطرات للدخول من ذات المداخل واستخدام المصاعد التي يستخدمها الرجال الغرباء.
ولكن تمدد الزمن الذي حمل رياح الجديد ، وتقلص الجغرافيا الذي أوجد البنايات العالية لم يدفعا الذكورة إلى الاستسلام التام ، فلا يزال الرجال يتدخلون في عمل المعماري ، وينقل المؤلف شهادات مهمة للمعماريين حول تدخلات الذكور في تصميمات البيوت لتحقيق الحيطة الممكنة من العالم الخارجي ، وتقسيم المنزل جنسوياً بصرامة.
البيت .. فضاء الأنوثة
على أية حال كانت نتيجة تحديد إقامة الأنثى ، أن صار البيت فضاءها الحميم ، تتفاعل معه روحياً أكثر من الرجل ، ونحن نتحدث عن "ربة بيت" ونمتدح ذوقها في ترتيبه. وحتى عندما تخرج المرأة فإنها تتجول في الشارع بمنزل مصغر في حقيبة يدها: مرآة ، ومشط ومناديل وحمرة شفاه وعطر ، وما إلى ذلك ، بينما يتجول الرجل ببنطاله المكوي جيداً ، وعندما يعود إلى البيت ، يعود إلى مأوى هو بالأساس فضاء المرأة.Réservation
Réserver ce document
Exemplaires (1)
Code-barres Cote Support Localisation Section Disponibilité FSS7803 720/11.1 Ouvrage Faculté des Sciences Sociales 700 - Arts, Loisirs et Sports Disponible